بكيت حتى جفت الدموع صليت حتى ذابت الشموع ركعت حتى ملني الركوع سألت عن محمد فيك ، وعن يسوع يا قدس يا مدينة تفوح أنبياء يا أقصر الدروب بين الأرض والسماء (1)
اعذرونا إن جفت محابرنا ، و لا تلوموا القلم ،
فالدمع أنهار تجري في مجرى القلوب تدميها
و
تنسيها
فرحاً حُباً أملاً
أقسمت أنْ للقدس تُهديهَا
يلوموننا في حبها و عشقها ، و هي التي استوطنت أفئدتنا ، ففيها أسكناها و حفظناها ، تلك المكلومة الأسيرة التي ما زالت جروحها تدمي القلوب و تثير في داخلنا الشجون . هي لم تكن مجرد بقعة جغرافية فحسب ، بل هي أرضٌ طاهرة ، مقدسة ، ذكرها الله في محكم كتابه العزيز فقال : " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ، الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " (2)
فها هي ضواحيها تحدثنا ، و أسواقها المعتمة تشدنا إليها ، ومسجدها المطهر ينادينا ، تلك المدينة التي أضحت رمز قضية الأمة ، القدس الشريف ، ذلك المكان الحي المفعم بالحياة الذي تتداخل فيه الأحداث ، والزمان و المكان ... مصوراً أشجان قلوبنا جميعاً . كتب عنها الأدباء و نظم فيها الشعراء ، و أحاط بها الخطباء ، ما بين ألم على فقدانها ، و فخر باسترجاعها فتاريخها الطويل حافل بالأحداث و الوقائع كان سبباً في كل ذلك .
فها هو القاضي محيي الدين محمد بن زكي الدين - يصف قدسيتها في خطبته بعد أول جمعة من تحريرها على يد القائد صلاح الدين الأيوبي- قائلاً :" فهو موطن أبيكم إبراهيم و معراج نبيكم محمد - صلى الله عليه و سلم - ، و قبلتكم التي كنتم تصلون إليها في ابتداء الإسلام ، و هو مقر الأنبياء و مقصد الأولياء و مهبط الوحي و منزل تنزل الأمر و النهي ، و هو أولى القبلتين و ثاني المسجدين و ثالث الحرمين الشريفين ، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه و لا تعقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليه .
يا قدس يا حبي الكبير يا وجه أمي يا كتاباً من عبير كل الطيور تعود في ذيل النهار كل الوحوش تعود للأوكار إلا أنا يا قدس أخطأني القطار ( 3 )
(1) : شعر نزار قباني (2) : سورة الإسراء الآية رقم 1 (3) : شعر خالد أبوعمرين